كان انطواء أمي يزداد بمرور الأيام ..
ورغبتها في التقوقع والعزلة تتنامى .. أصبحت ترفض الخروج أو استقبال الزوار برغم
محاولات أبي المستميتة لجعلها تعيش حياة طبيعية .. وفي يوم غائم ومكفهر خرج أبي إلى
عمله بعد أن اخبر أمي بأنه سيعود ومعه زوار أتوا من بلدته البعيدة .. أمرها بإعداد
طعام لائق وتنظيف المنزل .. والاستحمام .. ههة نسيت إخباركم بان أمي خاصمت النظافة
منذ أمد بعيد ... فقد أصبحت تخاف الماء ايضاً ...
بعد خروج آبي حملتني أمي
كالمعتاد وأغلقت الباب من الداخل .. أرضعتني حتى غفوت كان نوماً مليئاً بالأحلام ..
ولكن هل يحلم من هم في مثل عمري ؟؟ لا ادري لكنني كنت احلم بألوان جميلة ومساحات
واسعة .. وقدم لا يربطها حبل ... صحوت على وقع الصمت الثقيل الغريب .. زحفت خارج
فراشي الأرضي الذي صنعته أمه أمانا لي مخافة الوقوع من مكان عال .. وبخطوات متعثرة
اتجهت إلى الخارج بحثاً عنها ... ووجدتها .. كانت نائمة على الأرض بوضعية غريبة ..
عيناها مغمضتان بسكون ... يداها مضمومتان على صدرها ... ومن حولها انتشرت بقعة لون
احمر داكن .. نفس اللون الذي أراه في أحلامي .. كنت جائعة زحفت بهدوء كيلا أوقظها
من نومها .. دفعني فضولي لمعرفة ماهية هذا اللون الذي يملا كل مكان في جسد أمي
الضئيل .. عندما أعياني البحث وغلبني الجوع
أزحت يدها عن صدرها وبحثت عن مصدر
غذائي حتى وجدته كان مليئاً بالحليب .. وملطخاً باللون الأحمر الداكن .. لم اهتم
فأنا جائعة .. كان الطعم غريباً لكني جوعي كان أقوى فواصلت الرضاعة .. أغراني سكون
أمي بارتشاف اكبر كمية ممكنة من المزيج الأبيض والأحمر .. بعد الشبع وكعادة الأطفال
عدت إلى النوم في حضن أمي الذي أدهشتني برودته فقد اعتدته دافئاً ..
__________________